من يشكل خارطة العالم الجديد
لن تكون جائحة كورنا إلا مقدمة لأحداث تالية، وفقط لأن الأحداث التالية أحداث عظام، فقد كانت المقدمة عظيمة
المقدمــــــــــــــــة
لن تكون جائحة كورنا إلا مقدمة لأحداث تالية، وفقط لأن الأحداث التالية أحداث عظام، فقد كانت المقدمة عظيمة، نعم .. فمنذ ان أعلنت جمهورية الصين الشعبية في ديسمبر 2019 أن هناك فيروس غير معروف أودى بحياة بعض الأشخاص، تلى ذلك إغلاق سوق المأكولات البحرية، ليأتي قرار الحكومة في 22 / 1 / 2020 بإغلاق كامل مدينة ووهان والتي يسكنها 11 مليون نسمة، ومنذ ذلك التاريخ تحديدا، بدأت ملامح المشكلة تتشكل على مستوى العالم، وأول هذه الملامح كانت الحيرة والتخبط والتضارب في تصريحات مؤسسات التمويل الدولية، وكذلك مراكز القرار.
هذه الدراسة ستعين القارئ العربي على فهم ما ستؤول إليه الاحداث في عالم جديد سيتشكل ابتداء من covid 19 وذلك من خلال تسليط الضوء على المحاور التالية:
o حالة الاقتصاد العالمي بعد إعلان القضاء على covid 19.
o ممالك ستنهار وأخرى ستصعد وحروب قد أعدت طبولها.
o العولمة الغير معترف بها في العالم الجديد، ستكون في خطر.
1. المحور الأول : حالة الاقتصاد العالمي بعد إعلان القضاء على “covid19“.
1,1 الإغلاق العام الكبير أسوأ هبوط إقتصادي منذ الكساد الكبير
إنها أزمة منقطعة النظير، وهناك عدم يقين كبير حول تأثيرها على حياة الناس وأرزاقهم، والكثير يعتمد على الخصائص الوبائية للفيروس، وفعالية إجراءات احتوائه، وتطوير العلاجات واللقاحات لمواجهته، وكلها أمور يصعب التنبؤ بها.
تغير العالم كثيرا في الأشهر الثلاثة التي أعقبت صدور آخر عدد من تقرير صندوق النقد الدولي “مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي” في شهر يناير. فتسببت كارثة نادرة، هي جائحة فيروس كورونا، في إزهاق عدد كبير من الأرواح البشرية بصورة مأساوية، وإذ تطبق البلدان عمليات الحجر الصحي الضرورية وممارسات التباعد الاجتماعي لاحتواء الجائحة، أصبح العالم في حالة “إغلاق عام كبير”. وأعقب ذلك انهيار في النشاط بحجم وسرعة لم نر مثلهما في حياتنا.
إنها أزمة منقطعة النظير، وهناك عدم يقين كبير حول تأثيرها على حياة الناس وأرزاقهم، والكثير يعتمد على الخصائص الوبائية للفيروس، وفعالية إجراءات احتوائه، وتطوير العلاجات واللقاحات لمواجهته، وكلها أمور يصعب التنبؤ بها.
بالإضافة إلى ذلك، فكثير من البلدان يواجه الآن أزمات متعددة – أزمة صحية وأزمة مالية وانهيار في أسعار السلع الأولية – وكلها يتفاعل معا بطرق معقدة، ويقدم صناع السياسات دعما غير مسبوق للأسر والشركات والأسواق المالية؛ ورغم ضرورة هذا الإجراء لتحقيق تعافٍ قوي، فإن هناك عدم يقين كبير حول شكل المشهد الاقتصادي حين نخرج من هذا الإغلاق العام.
ومع افتراض أن بلوغ ذروة الجائحة والاحتواء اللازم لها في الربع الثاني من العام بالنسبة لمعظم بلدان العالم، ثم انحسارها في النصف الثاني من العام، نتوقع في عدد إبريل من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي انخفاض النمو العالمي في عام 2020 إلى -3%، هبوطا من 6,3 نقطة مئوية في يناير 2020، وهو تعديل كبير في فترة قصيرة جدا، وهذا ما يجعل “الإغلاق العام الكبير” أسوأ ركود منذ سنوات “الكساد الكبير”، وأسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية.
ومع افتراض انحسار الجائحة في النصف الثاني من عام 2020 وأن إجراءات السياسة المتخذة حول العالم فعالة في منع انتشار حالات الإفلاس بين الشركات، واتساع نطاق فقدان الوظائف، والتوترات المالية النظامية، نتوقع تعافي النمو العالمي في عام 2021 مسجلا 5,8% وهذا التعافي المتوقع لعام 2021 ما هو إلا تعافٍ جزئي لأن من المتوقع أن يظل مستوى النشاط الاقتصادي أقل من المستوى الذي أشارت إليه توقعاتنا السابقة لهذا العام، قبل أن يوجِّه الفيروس ضربته، ويمكن أن تكون الخسارة التراكمية في إجمالي الناتج المحلي العالمي على مدار العامين 2020 و 2021 بسبب أزمة الجائحة حوالي 9 تريليونات دولار أمريكي، أي أكبر من اقتصادي اليابان وألمانيا مجتمعين.
إنها أزمة عالمية بحق، فما من بلد أفلت منها، والبلدان التي يعتمد النمو فيها على السياحة والسفر والضيافة والترفيه تعاني من اضطرابات ضخمة، وتواجه اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية تحديات إضافية مع الخروج غير المسبوق لتدفقات رؤوس الأموال نتيجة لتراجع الإقبال على المخاطر عالميا، وضغوط العملة، بينما تحاول مواكبة الأزمة بنظم صحية أضعف، وحيز مالي أضيق لتقديم الدعم، وبالإضافة إلى ذلك، فقد دخلت عدة اقتصادات هذه الأزمة وهي في وضع هش نظرا لتباطؤ النمو وارتفاع مستويات المديونية.
وللمرة الأولى منذ “الكساد الكبير” يصيب الركود كلا من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فمن المتوقع أن يبلغ النمو في الاقتصادات المتقدمة -6,1% هذا العام. كذلك يُتوقع لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ذات مستويات النمو الأعلى بكثير من الاقتصادات المتقدمة أن تتحول إلى معدلات نمو سالبة تبلغ -1,0% في عام 2020 و -2,2% إذا استُثنيت الصين، ومن المتوقع أن ينكمش متوسط دخل الفرد في أكثر من 170 بلدا، كذلك تشير التوقعات إلى تحقيق تعافٍ جزئي في الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في عام 2021.
هناك سيناريوهات أخرى أكثر سوءا، فقد لا تنحسر الجائحة في النصف الثاني من هذا العام، مما يقود إلى فترة احتواء أطول، وتفاقم الأوضاع المالية، وزيادة الانهيارات في سلاسل العرض العالمية. وفي مثل هذه الحالات، يمكن أن يزداد انخفاض إجمالي الناتج المحلي العالمي بمقدار 3% إضافية في عام 2020 إذا طال أمد الجائحة هذا العام، بينما يمكن أن ينخفض عن السيناريو الأساسي الذي وضعناه بمقدار 8% إضافية في العام القادم إذا استمرت الجائحة إلى عام 2021.
يمكــــــــــن أن يزداد انخفاض إجمالي الناتـــــــج المحلي العالمي بمقدار 3% إضافية في عام 2020 إذا طال أمد الجائحة هذا العام، بينما يمكن أن ينخفض عن السيناريو الأساسي الذي وضعناه بمقدار 8% إضافية في العام القادم إذا استمرت الجائحة لعام 2021.
وفي فترة توقف الاقتصــــــاد، سيكون علـــــــــــى صناع السياسات الـتأكد من قدرة الناس على سد احتياجاتها وقدرة منشآت الأعمال على الانتعاش من جديد بمجرد انتهاء المرحلة الحادة من الجائحة، أيضا يجب أن يخططوا للتعافي. فعند وقف تطبيق إجراءات الاحتواء، ينبغي أن تتحول السياسات بسرعة إلى دعم الطلب، وتحفيز التشغيل في الشركات، ومعالجة خــــــــلل الميزانيات العمومية للقطاعين العام والخاص، لمساندة التعافي.
إن تسطيح منحنى انتشار فيروس كوفيد 19 باستخدام الإغلاق العام يسمح للنظم الصحية بمواكبة المرض، مما يسمح بدوره باستئناف النشاط الاقتصادي، ومن هذا المنطلق، لا توجد مفاضلة بين إنقاذ الأرواح وإنقاذ الأرزاق، فينبغي للبلدان مواصلة الإنفاق بسخاء على النظم الصحية، وإجراء اختبارات كشف الفيروس على نطاق واسع، والإحجام عن فرض قيود تجارية على المستلزمات الطبية.
وفي فترة توقف الاقتصاد، سيكون على صناع السياسات الـتأكد من قدرة الناس على سد احتياجاتها وقدرة منشآت الأعمال على الانتعاش من جديد بمجرد انتهاء المرحلة الحادة من الجائحة. وقد كانت الإجراءات الكبيرة والموجهة التي اتخذها العديد من صناع السياسات في الوقت المناسب على صعيد سياسة المالية العامة والسياسة النقدية وسياسة القطاع المالي – بما في ذلك ضمانات الائتمان، وتسهيلات السيولة، وإمهال المدينين، والتوسع في تأمينات البطالة، والمزايا المعززة، والتخفيف الضريبي – شريان الحياة لقطاعَي الأسر والشركات. وينبغي مواصلة هذا الدعم حتى نهاية مرحلة الاحتواء للحد من استمرار الآثار الغائرة التي يمكن أن تظهر بسبب ضعف الاستثمار وفقدان الوظائف في هذه المرحلة من الهبوط الاقتصادي الحاد.
ويجب على صناع السياسات أيضا أن يخططوا للتعافي. فعند وقف تطبيق إجراءات الاحتواء، ينبغي أن تتحول السياسات بسرعة إلى دعم الطلب، وتحفيز التشغيل في الشركات، ومعالجة خلل الميزانيات العمومية في القطاعين العام والخاص، لمساندة التعافي. وسيؤدي التحفيز المالي المنسق بين البلدان التي تمتلك حيزا كافيا في ماليتها العامة إلى تعظيم النفع لصالح كل الاقتصادات. وقد يتطلب الأمر مواصلة تأجيل سداد الديون وإعادة هيكلتها أثناء مرحلة التعافي.
ويمثل التعاون متعدد الأطراف مطلبا حيويا لسلامة التعافي العالمي. ولدعم الإنفاق اللازم في البلدان النامية، ينبغي أن يقدم الدائنون الثنائيون والمؤسسات المالية الدولية تمويلا ميسرا ومنحا وتخفيفا لأعباء الديون. وقد ساعد تفعيل وإنشاء خطوط تبادل العملات بين البنوك المركزية الكبرى على تخفيف نقص السيولة الدولية، وقد يتطلب الأمر التوسع فيه ليشمل مزيدا من الاقتصادات، فالجهود التعاونية مطلوبة لضمان ألا يتراجع العالم عن العولمة، فلا يتضرر التعافي من جراء زيادة الخسائر في الإنتاجية.
ونحن في صندوق النقد الدولي نبذل جهودا نشطة لتسخير طاقتنا الإقراضية البالغة تريليون دولار أمريكي لدعم البلدان المعرضة للخطر، من خلال تسهيلات كالتمويل الطارئ القائم على الصرف السريع، وتخفيف أعباء خدمة الدين لأفقر بلداننا الأعضاء، وندعو الدائنين الثنائيين الرسميين للقيام بالمثل.